يتساءل الكثيرون عن الفرق بين التسويق التقليدي والتسويق الإلكتروني ومدى تأثير ذلك على العملية التسويقية، وقبل أن نوضح الأمر أريد أن ابدأ بطرح لمحة عن مراحل تطور علم التسويق لتتشكل لديك عزيزي القارئ فكرة متكاملة حوله وتتضح الصورة لديك بشكل أكبر.
التسويق في الماضي
هناك اعتقاد سائد بين الكثير من المسوقين والجهات التجارية بأن علم إدارة التسويق قد ظهر في خمسينات القرن الماضي، بينما الواقع يشير إلى أن التسويق بدأ في بدايات ذلك القرن فيما عرف بالتسويق العلمي Scientific Marketing، وقد كان التسويق في ذلك الوقت يطلق على عملية نقل السلع الأساسية من مواقع الإنتاج إلى مواقع الاستهلاك.
وكما هو الحال في مختلف الجوانب الإدارية؛ مر التسويق بالعديد من المراحل المختلفة وتغيرت مبادئه وأساسياته حسب الظروف المحيطة بعالم الأعمال بالدرجة الأولى، فالمنافسة على سبيل المثال كان لها دور كبير في تغير الكثير من الأفكار لتصب في النهاية لمصلحة المستهلك، ولا أريد أن أسهب بالحديث التفصيلي حول المراحل المتعددة التي مر بها التسويق لأن هذا ليس هو محور موضوعنا هنا، ولكن سأذكر لمحة بسيطة حول تطور هذا المجال.
ظهرت عدة توجهات للتسويق أو ما يعرف بالإنجليزية بـ Marketing Orientations، فكانت البداية مع ما عرف بالتوجه بالإنتاج، والذي كان اهتمام الجهات التجارية فيه منصبا على إنتاج كميات كبيرة من كل سلعة بهدف تقليل التكاليف إلى أدنى حد ممكن، وقد كان شائع الاستخدام في الشركات الإنتاجية، وما يعيب هذا التوجه هو تجاهل الشركات التام لرغبات المستهلك واحتياجاته.
أما التوجه اللاحق فعرف بالتوجه بالمنتج، وفي هذه المرحلة كان يتم إنتاج سلع عالية الجودة بتكاليف متوازنة، ولكن هذا التوجه أيضا أغفل متطلبات واحتياجات المستهلك، والفكرة وراء هذا التوجه أن المنتجات ذات الجودة العالية تسوق لنفسها ويرغب المستهلكون بالحصول عليها.
تلا ذلك ما عرف بالتوجه بالبيع، فبعد أن ركزت الشركات على الإنتاج ظهرت الحاجة بعد ذلك إلى التركيز على بيع المنتجات الموجودة، ولهذا ازداد الاهتمام بالمبيعات وبدأت المنافسة تزداد بين الجهات التجارية في محاولة لاستهداف أكبر عدد من العملاء، وكل ذلك في ظل غياب الاهتمام بالاحتياجات الفعلية للمستهلك.
نلاحظ أن التوجهات الثلاثة السابقة اتفقت جميعا على تجاهل احتياجات ورغبات المستهلك، فكان التركيز في كل مرحلة على نقطة معينة لا علاقة لها بدراسة تلك الاحتياجات، حتى ظهرت الحاجة إلى التغيير فنشأت التوجهات اللاحقة والتي شكلت التسويق الحديث.
التسويق الحديث
عندما كانت الأسواق حكرا على شركات معينة كان بمقدور تلك الشركات تجاهل المستهلك، والذي سيضطر في كثير من الأحيان لشراء منتجات قد لا تلبي احتياجه بشكل كامل بسبب عدم توفر البدائل أو شحها، ولكن ومع زيادة المنافسة بدأت الشركات تهتم بالمستهلك واحتياجاته وأصبح ذلك الطرف المُتَجاهل سابقا هو محور العملية التسويقية، فظهر عند ذلك ما يعرف بالتوجه بالتسويق وفيه يتم البدء أولا وقبل كل شيء أخر بدراسة متطلبات المستهلك ورغباته المختلفة ليتم بعد ذلك إنتاج سلع أو تقديم خدمات تهدف إلى إشباع تلك الحاجات والرغبات، وهذا المبدأ هو أساس العملية التسويقية في وقتنا هذا.
وقد حدثت تطورات على هذا التوجه وظهر ما يعرف بالتسويق بالعلاقات، حيث يتم التركيز على بناء العلاقات الطويلة المدى مع العملاء والموردين، لأن المسوقين قد ادركوا أن بناء العلاقات من هذا النوع يساعد على فهم أعمق لاحتياجات العملاء على المدى الطويل، وأيضا لأهميته الخاصة في زيادة المبيعات؛ حيث أن الإبقاء على العملاء الحاليين والبيع لهم باستمرار أرخص بخمس مرات من الحصول على عملاء جدد كما يقول خبراء التسويق.
وبعد ذلك ظهر ما يعرف بالتسويق الاجتماعي، فبدلا من التركيز على احتياجات الأفراد، يتم بالإضافة إلى ذلك النظر إلى احتياجات المجتمع ككل وأخذها بعين الاعتبار.
بعد عرض نبذة بسيطة للمراحل المختلفة التي مرت بها إدارة التسويق، يمكننا الأن النظر في تعريف التسويق الحديث، ويعرف Cannon التسويق بالإدارة التي تحدد وتتنبأ باحتياجات العملاء ومن ثم إشباع هذه الاحتياجات بطريقة فعالة ومربحة.
ومن التعريف يتضح لنا أن التسويق يهتم بدراسة الاحتياجات وإشباع رغبات العملاء بالشكل الأمثل، والأهم أن يتم كل ذلك بشكل يمكّن الجهة التجارية من تحقيق الربح وهو أساس العملية التجارية.
الفرق بين التسويق التقليدي والتسويق الإلكتروني
بعد أن استعرضنا لمحة مختصرة حول التسويق ومراحل تطوره المختلفة، ننتقل للحديث عن الفرق بين التسويق التقليدي والتسويق الإلكتروني. كتطور محتوم لاستخدام الشبكة العنكبوتية للأهداف التجارية منذ بداية تسعينات القرن الماضي؛ ظهر مصطلح التسويق الإلكتروني والذي تطور شيئا فشيئا مع مرور الوقت.
يعرف Chaffey التسويق الإلكتروني بأنه الأنشطة التي تهدف إلى الوصول للإهداف التسويقية عبر استخدام التقنيات الرقمية.
من التعريف يتضح لنا أنه لا يوجد أي فرق أو اختلاف حقيقي بين التسويق التقليدي والتسويق الإلكتروني في المبادئ والأطر العامة، إلا أن الفرق هو في الوسائل والأدوات التسويقية المختلفة والمستخدمة في كل نوع منهما، التسويق بشكل عام سواء كان تقليديا أم إلكترونيا يهدف إلى تقديم منتجات وخدمات تشبع رغبات وحاجات المستهلك، مع التركيز على بناء العلاقات طويلة المدى، بالإضافة إلى ممارسة الوظائف التسويقية المختلفة واستخدام المزيج التسويقي والتي لم أقم بالحديث عنها في هذا المقال حتى لا أشتت القارئ، فالاختلاف إذا هو في الأدوات التسويقية فقط.
لو نظرنا للإعلان وهو جزء بسيط من الوظائف التسويقية وليس هو التسويق كله كما يعتقد البعض، لوجدنا أن الأدوات الإعلانية المستخدمة في التسويق التقليدي تختلف عنه في الإلكتروني، فإعلانات الصحف الورقية والإعلانات التلفزيونية واللافتات الإعلانية في الشوارع كلها أمثلة لأدوات إعلانية تستخدم في التسويق التقليدي، بينما بنرات المواقع وإعلانات اليوتيوب وإعلانات محركات البحث ونحوها هي أمثلة شائعة لأدوات إعلانية مستخدمة في التسويق الإلكتروني.
باختصار يمكننا أن نقول، التسويق واحد سواء كان تقليديا أم إلكترونيا، إلا أن البعض يخلط بين التسويق وبين الأدوات التسويقية ومن ثم يحكم بوجود الفروقات بين الأثنين، إلا أن الصحيح أن الأهداف والأطر العامة واحدة في كل منهما فالهدف هو دائما دراسة رغبات وحاجات المستهلك ومن ثم تقديم ما يتناسب مع هذه الرغبات مع التركيز على بناء العلاقات طويلة المدى وتحقيق الربح.
תגובות